فصل: الخبر عن مماليك بيبقا وترشيحهم في الدولة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 استقدام منجك للنيابة

كان أمير علي المارداني قد توفي سنة اثنتين وسبعين وبقيت وظيفته خلواً المكان الجائي اليوسفي وأحكامه‏.‏ ولما هلك سنة خمس وسبعين ولى السلطان أقطمر عبد الغني نائباً‏.‏ ثم بدا له أن يولي في النيابة منجك اليوسفي لما رآه فيه من الأهليه لذلك والقيام به ولتقلبه في الإمارة منذ عهد الناصر حسن وأنه كان من مواليه أخاً لبيبقا روس وطاز وسرغتمش فهو بقية المناجب‏.‏ فلما وقع نظره عليه بعث في استقدامه بيبقا الناصري من أمراء دولته وولى مكانه بندمر الخوارزمي وأعاد عشقتمر إلى حلب مكانه‏.‏ ووصل منجك إلى مصر آخر سنة خمس وسبعين ومعه مماليكه وحاشيته وصهر إلى روس المحمدي فاحتفل السلطان في تكرمته وأمر أهل الدولة بالركوب لتلقيه فتلقاه الأمراء والعساكر وأرباب الوظائف من القضاء والدواوين وأذن له في الدخول من باب السر راكباً وخاصة السلطان مشاة بين يديه حتى نزل عند مقاعد الطواشية بباب القصر حيث يجلس مقدم المماليك‏.‏ ثم استدعي إلى السلطان فدخل وأقبل عليه السلطان وشافهه بالنيابة المطلقة وفوض إليه الولاية والعزل في سائر المراتب السلطانية من الوزراء والخواص والقضاة والأوقاف وغيرها وخلع عليه وخرج‏.‏ ثم قرر تقليده بذلك في الإيوان ثاني يوم وصوله فكان يوماً مشهوداً‏.‏ وولى الأشرف في ذلك اليوم بيبقا الناصري الذي قدم به حاجباً‏.‏ ثم سافر عشقتمر نائب حلب آخر سنة ست وسبعين بعدها بالعساكر إلى بلاد الأرمن ففتح سائر أعمالها واستولى على ملكها النكفور بالأمان فوصل بأهله وولده إلى الأبواب السلطانية ورتب لهم الأرزاق وولى السلطان على سيس وانقرض منها ملك الأرمن‏.‏ وتوفي منجك آخر هذه السنة فولى السلطان اقتمر الصاجي المعروف بالحلي‏.‏ ثم عزله ورفع جلسه وولى مكانه اقتمر الألقني‏.‏ ثم توفي جبار بن مهنا أمير العرب بالشام فولى السلطان ابنه يعبرا مكانه‏.‏ ثم توفي أمير مكة من بني حسن فولى الأشرف مكانه واستقرت الأمور على ذلك والله أعلم‏.‏

 الخبر عن مماليك بيبقا وترشيحهم في الدولة

كان السلطان الأشرف بعد أن سطا بمماليك بيبقا تلك السطوة وقسمهم بين القتل والنفي وأسكنهم السجون وأذهب أثرهم من الدولة بالجملة أرجع جملة منهم بعد ذلك‏.‏ وعاتبه منكلي أبغا في شأنهم وأن في اتلافهم قص جناح الدولة وإنهم ناشئة من الجند يحتاج الملك لمثلهم فندم على من قتل منهم وأطلق من بقي من المحبوسين بعد خمس من السنين وسرحهم إلى الشام يستخدمون عند الأمراء‏.‏ وكان فيمن أطلق الجماعة الذين بحبس الكرك وهم برقون العثماني وبركة الجوباني وطنبقا الجوباني وجركس الخليلي ونعنغ فأطلقوا إلى الشام‏.‏ ودعا منجك صاحب الشام كبراءهم إلى تعليم المماليك ثقافة الرمح وكانوا بصراء بها فأقاموا عنده مدة أخبرني بذلك الطنبقا الجيرباني أيام اتصالي به قال وأقمنا عند منجك إلى أن استدعاه السلطان الأشرف وكتب إليه الجائي اليوسفي بمثل ذلك فاضطرب في أيهما يجيبه فيها‏.‏ ثم أراد أن يخرج من العهدة فرد الأمر إلينا فأبينا إلا امتثال أمره فتحير‏.‏ ثم اهتدى إلى أن يبعث إلى الجائي اليوسفي ودس إلى قرطاي كافل الأمير علي ابن السلطان وكان صديقه بطلبنا من الجائي بخدمة ولي العهد وصانع الجهتين بذلك قال وصرنا إلى ولي العهد فعرضنا على السلطان أبيه واختصنا عنده بتعليم الثقافة لمماليكه إلى أن دعانا السلطان يوم واقعة الجائي وهو جالس بالإسطبل فندبنا لحربه وذكرنا حقوقه وأزاح عللنا بالجياد والأسلحة فجلبنا في قتله إلى أن انهزم وما زال السلطان بعدها يرعى لنا ذلك ويقدمنا‏.‏ انتهى خبر الجوباني‏.‏ وكان طشتمر الدوادار قد لطف محله عند الأشرف وخلا له وجهه وكان هواه في اجتماع مماليك بيبقا في الدولة يستكثر بهم فيما يؤمله من الاستبداد على السلطان‏.‏ فكان يشير في كل وقت على الأشرف باستقدامهم من كل ناحية واجتماعهم عصابة للدولة يخادع بذلك عن قصده وكان محمد بن اسقلاص أستاذ دار يساميه في الدولة ويزاحمه في مخالصة بالأشرف ولطف المحل عنده ينهى السلطان عن ذلك ويحذره مغبة اجتماعهم فغص طشتمر بذلك‏.‏ وكان عند السلطان مماليك دونه من مماليكه الخاصكية شباباً قد اصطفاهم وهذبهم وخالصهم بالمحبة والصهر ورشحهم للمراتب وولى بعضهم‏.‏ وكان الأكابر من أهل الدولة يفضون إليهم بحاجاتهم ويتوسلون بمساعيهم فصرف طشتمر إليهم وجه السعاية وغشي مجالسهم وأغراهم بابن اسقلاص وإنه يصد السلطان أكثر الأوقات عن أغراضهم منه ولبعد أبواب الانعام والصلات منه‏.‏ وصدق ذلك عندهم كثرة حاجاتهم في وظيفته وتقرر الكثير منها عليهم عنده فوغرت صدورهم منه وأغروا به السلطان بأطباق إغراء طشتمر طاهراً حتى تمت عليهم نكبته وجمعت الكلمة وقبض عليه منتصف جمادى سنة سبع وثمانين ونفاه إلى القدس فخلا لطشتمر وجه السلطان وانفرد بالتدبير واجتمع المماليك البيبقاوية من كل ناحية حتى كثروا أهل الدولة وعمروا مراتبها ووظائفها واحتازوها من جوانبها إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم‏.‏

 حج السلطان الأشرف وانتقاض المماليك عليه بالعقبة

لما استقر السلطان في دولته على أكمل حالات الاستبداد والظهور وأذعن الناس لطاعته في كل ناحية وأكمل الله له الامتاع بملكه ودنياه سمت نفسه إلى قضاء فرضه فأجمع الحج سنة ثمان وسبعين وتجهز لذلك واستكثر من الرواحل المستجادة والأزودة المثقلة من سائر الأصناف‏.‏ واستعد للسفر واحتفل في الأبهة بما لم يعهد مثله واستخلف ابنه ولي العهد في ملكه وأوصى النائب اكتمر عبد النبي بمباكرة بابه والانتهاء إلى مراسمه‏.‏ وأخرج بني الملك الناصر المحجوبين بالقلعة مع سرد الشيخوني إلى الكرك يقيمون به إلى منصرفة‏.‏ وتجهز الخليفة العباسي محمد المتوكل بن المعتضد والقضاة للحج معه وجهز جماعة إلى الأمراء أهل دولته وأزاح عللهم وملأ بمعروفه حقائبهم‏.‏ وخرج ثاني عشر شوال في المراكب والقطارات يروق الناظرين كثرة ومخافة وزينة والخليفة والقضاة والأمراء حفافيه‏.‏ وبرز النظارة حتى العواتق من خدورهن وتجللت بمركبهم البسيطة وماجت الأرض بهم موجاً وخيم بالبركة منزل الحاج وأقام بها أياماً حتى فرغ الناس من حاجاتهم‏.‏ وارتحل فما زال يتنقل في المنازل إلى الكعبة‏.‏ ثم أقام فيها على عادة الحاج وكان في نفوس المماليك وخصوصاً البيبقاوية وهم الأكثر شجى يتشوقون به إلى الاستبداد من الدولة فتنكروا واشتطوا في اقتضاء أرزاقهم والمباشرون يعللونهم وانتهى أمرهم إلى الفساد‏.‏ ثم طلبوا العلوفة المستقبلة إلى دار الأزلم فاعتذر المباشرون بأن الأقوات حملت إلى الأمام فلم يقبلوا وكشفوا القناع في الأنقاض وباتوا ليلتهم على تعبية‏.‏ واستدعى الأشرف طشتمر الدوادار وكان كبيرهم ففاوضه في الأمر ليفل من عزمهم فأجمل العذر عنهم وخرج إليهم‏.‏ فخرجوا ثم ركبوا من الغد واصطفوا وأركبوا طشتمر معهم ومنعوه من معاودة السلطان‏.‏ وتولى كبر ذلك منهم مبارك الطازي وسراي تمر المحمدي وبطلقمر العلائي وركب السلطان في خاصته يظن أنهم يرعوون أو يجنح إليه بعضهم فأبوا إلا الأحفاف على قتاله‏.‏ ونضحوا موكبه بالنبل لما عاينوه فرجع إلى خيامه منهزماً‏.‏ ثم ركب البحر في لفيف من خواصه ومعه أرغون شاه الأتابك وبيبقا الناصري ومحمد بن عيسى صاحب الدرك من لفائف الأعراب أهل الضاحية وفي ركابه جماعة الشباب الذين أنشأهم في مخالصته ورشحهم للوظائف في دولته كما مر‏.‏ وخام الفل إلى القاهرة وقد كان السلطان عندما سافر عن القاهرة ترك بها جماعة من الأمراء والمماليك مقيمين في وظائفهم كان منهم قرطاي الطازي كافل أمير علي ولي العهد واقتمر الخليلي وقشتمر واستدمر السرغتمشي وأيبك البدري‏.‏ وكان شيطان من المتمردة قد أوحى إلى قرطاي بأنه يكون صاحب الدولة بمصر فكان يتشوف لذلك ويترصد له‏.‏ وربما وقع بينه وبين وزير الدولة منازعة في جراية مماليك مكفوله ولي العهد وعلوفاتهم وأغلظ له فيها الوزير فوجم وأخذ في أسباب الانتقاض‏.‏ وداخل في ذلك بعض أصحابه وواعدهم ثالث ذي القعدة وتقدم إلى داية ولي العهد ليلة ذلك اليوم بأن يصلح من شأنه ويفرغ عليه ملابس السلطان ويهيئه لجلوس التخت‏.‏ وركب هو صبيحة ذلك اليوم ووقف بالرميلة عند مصلى العيد‏.‏ وتناول قطعة من ثوب فنصبها لواء وكان صبيان المدينة قد شرعوا في اتخاذ الدبادب والطبيلات للعيد فأمر بتناول بعضها منهم‏.‏ وهرعت بين يديه وتسايل الناس إليه من كل أوب ونزل من كان بطباق القصر وغرفه وبالقاهرة من المماليك واجتمعوا إليه حتى كظ ذلك الفضاء‏.‏ وجاؤوا تعادي بهم الخيل فاستغلظ لفيفهم ثم اقتحم القلعة في جمعه من باب الاصطبل إلى بيت مكفوله ولي العهد أمير علي عند باب الستارة يطلبونه وقضوا على زمام الذود وكانوا عدة حتى أحضروا ولي العهد وجاؤوا به على الأكتاف إلى الإيوان فأجلسوه على التخت وأحضروا أيدمر نائب القلعة فبايع له‏.‏ ثم أنزلوه إلى باب الإسطبل وأجلسوه هناك على الكرسي‏.‏ واستدعى الأمراء القائمين بالقاهرة فبايعوه وحبس بعضهم بالقلعة‏.‏ وبعث أكتمر الحلي إلى الصعيد يستكشف أحواله واختص منهم أيبك فجعله رديفاً في دولته‏.‏ وباتوا كذلك وأصبحوا يسائلون الركبان ويستكشفون خبر السلطان‏.‏ وكان السلطان لما انهزم من العقبة سار ليلتين وجاء إلى البركة آخر الثانية وجاءه الخبر بواقعة القاهرة وما فعله قرطاي وتشاوروا فأشار محمد بن عيسى بقصد الشام وأشار آخرون بالوصول إلى القاهرة‏.‏ وسار السلطان إليها واستمروا إلى قبة النصر وتهافتوا عن رواحلهم باطلاح وقد أنهكهم التعب وأضناهم السير فما هو إلا أن وقعوا لمناكبهم وجنوبهم وغشيهم النعاس‏.‏ وجاء الناصري إلى السلطان الأشرف من بينهم فتنصح له بأن يتسلل من أصحابه ويتسرب في بعض البيوت بالقاهرة حتى يتبين له وجه مذهبه وانطلق بين يديه فقصد بعض النساء ممن كان ينتاب قصده واختفى فظن النجاة في ذلك وفارقه الناصري يطلب نفقاً في الأرض وقد كانوا بعثوا من قبة النصر بعض المماليك عنهم روائد يستوضحون الحنبر فأصبحوا بالرميلة أمام القلعة وتعرف الناس أنه من الحاج فرفعوه إلى صاحب الدولة وعرض عليه العذاب حتى أخبره عن السلطان وأنه وأصحابه بقبة النصر مصرعين من غشي النوم فطار إليهم شراد العسكر مع استدمر السرغتمشي والجمهور في ساقتهم حتى وقفوا عليهم في مضاجعهم‏.‏ وافتقدوا السلطان من بينهم وقتلوهم جميعاً وجاؤوا برؤوسهم ووجموا لافتقاد السلطان ونادوا بطلبه وعرضوا العذاب والقتل على محمد بن عيسى صاحب الدرك فتبرأ وحبس رهينة من ثقاته‏.‏ ثم جاءت امرأة إلى أيبك فدلته عليه في بيت جارتها فاستخرجوه من ذلك البيت ودفعوه إلى أيبك فامتحنه حتى دلهم على الذخيرة والأموال‏.‏ ثم قتلوه خنقاً وجددوا البيعة لابنه الأمير علي ولقبوه المنصور‏.‏ واستقل بدولته كافله من قبل الأميرة قرطاي ورديفه أيبك البدري واستقر الأمر على ذلك‏.‏ مجيء طشتمر من العقبة وانهزامه ثم مسيره إلى الشام وتجديد البيعة للمنصور بإذن الخليفة وتقديمه لما انهزم السلطان من العقبة ومضى إلى القاهرة اجتمع أهل الثورة على قشتمر وألقوا إليه القياد ودعوا الخليفة إلى البيعة له فتفادى من ذلك‏.‏ ومضى الحاج من مكة مع أمير المحمل بهادر الجمالي على العادة‏.‏ ورجع القضاة والفقهاء إلى القدس وتوجه طشتمر والأمراء إلى مصر لتلافي السلطان أو تلفه فلقيهم خبر مهلكة بعجرود وما كان من بيعة ابنه واستقلال قرطاي بالملك فثاب لهم رأي آخر في حرب أهل الدولة وساروا على التعبية وبعثوا في مقدمتهم قطلقتمر ولقي طلائع مصر فهزمهم وسار في اتباعهم إلى ساحة القلعة فلم يشعر إلا وقد تورط في جمهور العسكر فتقبضوا عليه‏.‏ وكان قرطاي قد بعث عن اقتمر الصاحبي الحنبلي من الصعيد ويرجع في العساكر لحرب قشتمر وأصحابه فبرز إليهم والتقوا في ساحة القلعة‏.‏ وانهزم قشتمر إلى الكيمان بناحية مصر ثم استأمن فأمنوه واعتقلوه‏.‏ ثم جمع الناس ليوم مشهود وحضر الخليفة والأمراء والقضاة والعلماء وعقد الخليفة للمنصور بن الأشرف وفوض إليه‏.‏ وقام قرطاي بالدولة وقسم الوظائف فولى قشتمر اللفاف واستأمر السرغتمشي أمير سلاح وقطلوبغا البدري أمير مجلس وقرطاي الطازي رأس نوبة وأياس السرغتمشي دوادار وأيبك البدري أمير الماخورية وسردون جركس أستاذ دار واقتمر الحنبلي نائباً وجعل له الإقطاع للأجناد والأمراء والنواب‏.‏ وأفرج عن طشتمر العلائي الدوادار وأقطعه الإسكندرية وأحضر بني الملك الناصر من الكرك مع حافظهم سردون الشيخوني وولاه حاجباً وكذلك قلوط السرغتمشي وأصاب الناس في آخر السنة طاعون إلى أول سنة تسع وسبعين فهلك طشتمر اللفاق الأتابك وولي مكانه قرطاي الطازي في وظيفته‏.‏ واستدعي بيبقا الناصري من الشام فاختصه الأمير الكبير قرطاي بالمخالصة والمشاورة‏.‏ نكبة قرطاي واستقلال أيبك بالدولة ثم مهلكه كان أيبك الغزي هذا قد ردف قرطاي في حمل الدولة من أول ثورتهم وقيامهم على السلطان فخالصه وخلطه بنفسه في الإصهار إليه‏.‏ وكان أيبك يروم الإستبداد بشأن أصحابه وكان يعرف من قرطاي عكوفه على لذاته وانقسامه مع ندمائه فعمل قرطاي في صفر سنة تسع وسبعين ضيافة في بيته وجمع ندماءه مثل سودون جركس ومبارك الطازي وغيرهم‏.‏ وأهدى له أيبك نبيذاً أذيب فيه بعض المرقدات فباتوا يتعاطونه حتى غلبهم السكر على أنفسهم ولم يفيقوا‏.‏ فركب أيبك من ليلته وأركب السلطان المنصور معه واختار الأمر لنفسه واجتمع إليه الناس وأفاق قرطاي بعد ثلاث وقد انحلت عنه العقدة واجتمع الناس على أيبك فبعث إليه قرطاي يستأمن فأمنه ثم قبض عليه فسيره إلى صفد واستقل أيبك بالملك والدولة‏.‏ ثم بلغه منتصف صفر من السنة انتقاض طشتمر بالشام وانتقاض الأمراء هنالك في سائر الممالك على الخلاف معه فنادى في الناس بالمسير إلى الشام فتجهزوا وسرح المقدمة آخر صفر مع ابنه أحمد وأخيه قطلوفجا وفيها من مماليكه ومماليك السلطان وجماعة من الأمراء كان منهم الأميران برقوق وبركة المستبدان بعد ذلك‏.‏ ثم خرج أيبك ثاني ربيع في الساقة بالسلطان والأمراء والعساكر وانتهوا إلى بلبيس‏.‏ وثار الأمراء الذين كانوا مع أخيه في المقدمة ورجع إليه منهزماً فأجفل راجعاً إلى القلعة بالسلطان والعساكر‏.‏ وخرج عليه ساعة وصوله يوم الاثنين جماعة من الأمراء وهم قطلتمر العلائي الطويل والطنبقا السلطاني والنعناع وواعدوه قبة النصر فسرح إليهم العساكر مع أخيه قطلوفجا فأوقعوا به وقبضوا عليه‏.‏ وبلغ الخبر إلى أيبك فسرح من حضره من الأمراء للقائهم وهم أيدمر الشمسي واقطمر عبد الغني وبهادر الجمالي ومبارك الطازي في آخرين‏.‏ ولما تواروا عنه ركب هو هارباً إلى كيمان مصر واتبعه أيدمر القنائي فلم يقف له على خبر‏.‏ ودخل الأمراء من قبه النصر إلى الإسطبل وأمضوا الأمراء إلى قطلتمر العلائي وهم يحاذونه وأشير عليه بخلع المنصور والبيعة لمن يقوم على هذا الأمر من أبناء السلطان فأبى‏.‏ ثم وصل صبيحة الثلاثاء الأمراء الذين ثاروا فجاء أخو أيبك في مقدمة العسكر وفيهم بيبقا الناظري وفى مرداش اليوسفي وبلاط من أمراء الألوف وبرقوق وبركة وغيرهما من الطلخامات فنازعوهم الأمر وغلبوهم عليه وبعثوا بهم إلى الإسكندرية معتقلين‏.‏ وفوض الأمراء إلى بيبقا الناظري فقام بأمرهم وهو شعاع وآراؤهم مختلفة‏.‏ ثم حضر يوم الأحد التاسع مع ربيع أيبك صاحب الدولة وظهر من الاختفاء وجاء إلى بلاط منهم وأحضره عند بيبقا الناظري فبعث به إلى الإسكندرية فحبسه بها وكان بيبقا الناظري يختص برقوق وبركة بالمفاوضة استرابة بالآخرين فاتفق رأيهم على أن يستدعى طشتمر من الشام وينصبوه للإمارة فبعثوا إليه بذلك وانتظروه‏.‏ استبداد الأميرين أبي سعيد برقوق وبركة بالدولة من بعد أيبك ووصول طشتمر من الشام وقيامه بالدولة ثم نكبته لما تغلب هؤلاء الأمراء على الدولة ونصبوا بيبقا الناظري ولم يمضوا له الطاعة بقي أمرهم مضطرباً وآراؤهم مختلفة‏.‏ وكان برقوق وبركة أبصر القوم بالسياسة وطرق التدبير وكان الناظري يخالصهما كما مر فتفاوضوا في القبض على هؤلاء المتصدين للمنازعة وكبح شكائمهم وهم دمرداش اليوسفي وترباي الحسيني وافتقلاص السلجوقي واستدمر بن العثماني في آخرين من نظرائهم‏.‏ وركبوا منتصف صفر وقبضوا عليهم أجمعين وبعثوا بهم إلى الإسكندرية فحبسوهم بها واصطفوا بلاطاً منهم وولوه الإمارة وخلطوه بأنفسهم وأبقوا بيبقا الناظري على أتابكيته كما كان وأنزلوه من القلعة فسكن بيت شيخو قبالته وولى برقوق أمير الماخورية ونزل باب الإسطبل وولى بركة الجوباني أمير مجلس واستقرت الدولة على ذلك‏.‏ وكان طشتمر نائب الشام قد انتقض واستبد بأمره وجمع عساكر الشام وأمراءه واستنفر العرب والتركمان وخيم بظاهر دمشق يريد السير إلى مصر‏.‏ وبرز أيبك من مصر بالسلطان والعسكر يريد الشام لمحاربته فكان ما قدمناه من نكبته وخروج الأمراء عليه ومصيرهم إلى جماعة البيبقاوية الظافرين بأيبك ومقدمهم بيبقا الناظري‏.‏ ثم تفاوض بيبقا الناظري مع برقوق وبركة في استدعاء طشتمر فرافقاه ونظراه رأياً وفيه طلب الصلح من الذين معه وحسم الداء منه بكونهم في مصر فكتبوا إليه بالوصول إلى مصر للأتابكية وتدبير الدولة وأنه شيخ البيبقاوية وكبيرهم فسكنت نفسه لذلك ووضع أوزار الفتنة وسار إلى مصر فلما وصلها اختلفوا في أمره وأركبوا السلطان إلى الزيدانية لتلقيه ودفعوا الأمراء إليه‏.‏ وأشاروا له إلى الأتابكية ووضعوا زمام الدولة في يده فصار إليه التولية والعزل والخل والعقد‏.‏ وولى بيبقا الناظري أمير سلاح مكان سباطا وبعثوا بلاطاً إلى الكرك لاستقلال طشتمر بمكانه‏.‏ وولى بندمر الخوارزمي نائباً بدمشق على سائر وظائف الدولة وممالك الشام كما اقتضاه نظره‏.‏ ووافق عليه أستاذ دار برقوق وبركة وولى أيبك اليوسفي فرتب برقوق رأس نوبة مكان الناظري‏.‏ واستمر الحال على ذلك وبرقوق وبركة أثناء هذه الأمور يستكثران من المماليك استغلاظاً لشوكتهما واكتنافاً لعصبيتهما إن يمتد الأمير إلى مراتبهما فيبذلان الجاه لتابعهما ويوفران الإقطاع لمن يستخدم لهما ويخصان بالإمرة من يجنح من أهل الدولة إليهما وإلى أبوابهما‏.‏ وانصرفت الوجوه عن سواهما‏.‏ وارتاب طشتمر بنفسه في ذلك وأغراه أصحابه بالتوثب بهذين الأميرين فلما كان ذو الحجة ستة تسع وسبعين استعجل أصحابه على غير روية وبعثوا إليه فأحجم وقعد عن الركوب‏.‏ واجتمع برقوق وبركة بالإسطبل فركن إليه وقاتل مماليك طشتمر بالرميلة ساعة من نهار وانهزموا وافترقوا واستأمن طشتمر فأمنوه واستدعوه إلى القلعة فقبضوا عليه وعلى جماعة من أصحابه منهم أطلمش الأرغوني ومدلان الناظري وأمير حاج بن مغلطاي ودواداره أرغون‏.‏ وبعث بهم إلى الإسكندرية فحبسوا بها‏.‏ وبعث معهم بيبقا الناصري كذلك‏.‏ ثم أفرج عنه لأيام وبعثه نائباً عن طرابلس‏.‏ ثم أفرج عن طشتمر بعد ذلك إلى دمياط ثم إلى القدس إلى أن مات سنة سبع وثمانين‏.‏ واستقامت الدولة للأميرين بعد اعتقالهما وخلت لهما من المنازعين‏.‏ وولى الأمير برقوق أتابكاً وولى الماخورية الجابر الشمسي وولى قريبه أنيال أمير سلاح مكان بيبقا الناصري وولى اقمتر العثماني دواداراً مكان أطلمش الأرغوني‏.‏ وولى الطنبغا الجوباني رأس نوبة ثانياً ودمرداش أمير مجلس‏.‏ وتوفي بيبقا النظامي نائب حلب فولى مكانه عشقتمر المارداني‏.‏ ثم استأذن عشقتمر فأذن له وحبس بالإسكندرية وولى بحلب تمرتاش الحسيني الدمرداشي‏.‏ ثم أفرج عنه وأقام بالقدس قليلاً‏.‏ ثم استدعاه بركة وأكرم نزله وبعثه نائباً إلى حلب‏.‏ ثورة أنيال ونكبته كان أنيال هذا أمير سلاح وكان له مقام في الدولة وهو قريب الأمير برقوق وكان شديد الإنحراف على الأمير بركة ويحمل قريبه على منافرته ولا يجيبه إلى ذلك فاعتزم على الثورة وتحين لها سفر الأمير بركة إلى البحيرة يتصيد فركب الأمير برقوق في بعض تلك الأيام متصيداً بساحة البلد فرأى أن قد خلا له الجو فركب وعمد إلى باب الإسطبل فملكه ومعه جماعة من مماليكه ومماليك الأمير برقوق‏.‏ وتقبضوا على أمير الماخورية جركس الخليلي‏.‏ واستدعوا السلطان المنصور ليظهروه للناس فمنعه المقدمون من باب الستارة‏.‏ وجاء الأمير برقوق من صيده ومعه الأتابك الشمسي فوصلوا إلى منزله خارج القلعة وأفرغوا السلاح على سائر مماليكهم وركبوا إلى ساحة الإسطبل‏.‏ ثم قصدوا إلى الباب فأحرقوه وتسلق الأمير قرطاي المنصوري من جهة باب السر وفتحه لهم فدخلوا منه ودافعوا أنيال وانتقض عليه المماليك الذين كانوا معه من مماليك الأمير برقوق‏.‏ ورموه بالسهام فانهزم ونزل إلى بيته جريحاً‏.‏ وأحضر إلى الأمير برقوق فاعتذر له بأنه لم يقصد بفعلته إلا التغلب على بركة فبعث به إلى الإسكندرية معتقلاً وأعاد بيبقا الناصري أمير سلاح كما كان واستدعي لها من نيابة طرابلس‏.‏ ووصل الخبر إلى بركة فأسرع الكر من البحيرة وانتظم الحال ونظروا في الوظائف التي خلت في هذه الفتنة فعمروها بمن يقوم بها‏.‏ واختصوا بها من حسن غناؤه في هذه الواقعة مثل قردم وقرط وذلك سنة إحدى وثمانين‏.‏ وأقام أنيال معتقلاً بالإسكندرية‏.‏ ثم أفرج عنه في صفر سنة اثنتين وثمانين وولاه على طرابلس‏.‏ ثم توفي منكلي بقا الأحمدي نائب حلب فولى أنيال مكانه‏.‏ ثم تقبض عليه آخر السنة وحبس بالكرك وولى مكانه بيبقا الأحمدي فولى مكانه بندمر الخوارزمي‏.‏ ثم توفي سنة إحدى وثمانين جبار بن المهنا أمير العرب بالشام فولي مكانه معيقل بن فضل ابن عيسى وزامل بن موسى بن ثورة بركة ونكبته واستقلال الأمير برقوق بالدولة كان هذا الأمير بركة يعادل الأمير برقوق في حمل الدولة كما ذكرناه وكان أصحابه يقوضون إليه الاستبداد في الأموال‏.‏ وكان الأمير برقوق كثير التثبت في الأمور والميل إلى المصالح فيعارضهم في الغالب ويضرب على أيديهم في الكثير من الأحوال فغضوا بمكانه وأغروا بركة بالتوثب والاستقلال بالأمر وسعوا عنده بأشمس من كبار أصحاب الأمير برقوق وأنه يحمل برقوق على مقاطعة بركة ويفسد ذات بينهما وأنه يطلب الأمر لنفسه‏.‏ وقد اعتزم على الوثوب عليهما فجاء بركة بذلك إلى الأمير برقوق وأراد القبض على أشمس فمنعه الأمير برقوق ودفع عنه وعظم انحراف بركة على أشمس ثم عن الأمير برقوق‏.‏ وسعى في الإصلاح بينهما الأكابر حتى كمال الدين شيخ التكية والخلدي شيخ الصوفية من أهل خراسان‏.‏ وجاؤوا بأشمس إلى بركة مستعتباً فأعتبه وخلع عليه‏.‏ ثم عاود انحرافه ثانية فمسح أعطافه وسكن وهو مجمع الثورة والفتك‏.‏ ثم عاود حاله تلك ثالثة‏.‏ واتفق أن صنع في بيت الأمير برقوق لسرور وليمة في بعض أيام الجمعة في شهر ربيع سنة اثنتين وثمانين وحضر عنده أصحاب بركة كلهم وأهل شوكته وقد جاءه النصيح بأن بركة قد أجمع الثورة غداة يومه فقبض الأمير برقوق على من كان عنده من أصحاب بركة ليقص جناحه منهم‏.‏ وأركب حاشيته للقبض عليه وأصعد بدلان الناصري على مأذنة مدرسة حسن فنضحه بالنبل في اسطبله وركب بركة إلى قبة النصر وخيم بها ونودي في العامة بنهب بيوته فنهبوها للوقت وخربوها‏.‏ وتحيز إليه بيبقا الناصري فخرج معه وجلس الأمير برقوق بباب القلعة من ناحية الإسطبل وسرح الفرسان للقتال‏.‏ واقتتلوا عامة يومهم فزحف بركة على تعبيتين إحداهما لبيبقا الناصري‏.‏ وخرج الأق الشعباني للقائه وأشمس للقاء بيبقا الناصري فانهزم أصحاب بركة ورجع إلى قبة النصر وقد أثخنوا بالجراح وتسلل أكثرهم إلى بيته وأقام الليل ثم دخل إلى جامع البلدة وبات به‏.‏ ونمي إلى الأمير برقوق خبره فأركب إليه الطنبقا الجوباني وجاء به إلى القلعة‏.‏ وبعث به الأمير برقوق إلى الإسكندرية فحبس بها إلى أن قتله النائب صلاح الدين بن عزام وقتل به في خبر يأتي شرحه إن شاء الله تعالى‏.‏ وتقبض على بيبقا الناصري وسائر شيعته من الأمراء وأودعهم السجون إلى أن استحالت الأحوال وولى وظائفهم من أوقف عليه نظره من أمراء الدولة‏.‏ وأفرج عن أنيال الثائر قبله وبعثه نائباً على طرابلس واستقل بحمل الدولة وانتظمت به أحوالها‏.‏ واستراب سندمر نائب دمشق لصحابته مع بركة فتقبض عليه وعلى أصحابه بدمشق وولي نيابة دمشق عشتمر ونيابة حلب أنيال‏.‏ وولى أشمس الأتابكية مكان بركة والأق الشعباني أمير سلاح والطنبقا الجوباني أمير مجلس وأبقا العثماني دوادار وجركس الخليلي أمير الماخورية والله تعالى ولي التوفيق‏.‏ انتقاض أهل البحيرة وواقعة العساكر كان هؤلاء الظواعن الذين عمروا الدولة من بقايا هوارة ومزاته وزناته يعمرونها عن تحت أيديهم من هذه القبائل وغيرهم يقومون بخراج بالسلطان كل سنة في إبانه وكانت الرياسة عليهم حتى في أداء الخراج لبدر بن سلام وآبائه من قبله وهو من زناتة إحدى شعوب لواتة‏.‏ وكان للبادية المنتبذين مثل أبي ذئب شيخ أحياء مهرانة وعسرة ومثل بني التركية أمراء العرب بعقبة الإسكندرية اتصال بهم لاحتياجهم إلى الميرة من البحيرة‏.‏ ثم استخدوا لأمراء الترك في مقاصدهم وأموالهم واعتزوا بجاههم وأسفوا على نظائرهم من هوارة وغيرهم‏.‏ ثم حدثت الزيادة في وظائف الجباية كما هي طبيعية الدولة فاستثقلوها وحدثتهم أنفسهم بالامتناع منها لما عندهم من الاعتزاز فأرهقوا في الطلب وحبس سلام بالقاهرة وأجفل ابنه بدر إلى الصعيد بالقبلية واعترضته هناك عساكر السلطان فقاتلهم وقتل الكاشف في حربه‏.‏ وسارت إليه العساكر سنة ثمانين مع الأق الشعباني وأحمد بن بيبقا وأنيال قبل ثورته فهربوا وعاثت العساكر في مخلفهم ورجعوا‏.‏ وعاد بدر إلى البحيرة وشغلت الدولة عنهم بما كان من ثورة أنيال وبركة بعده واتصل فساد بدر وامتناعه فخرجت إليه العساكر مع الأتابك أشمس والأمير سلام والجوباني أمير مجلس وغيرهم من الأمراء الغربية‏.‏ ونزلت العساكر البحيرة واعتزم بدر على قتالهم فجاءهم النذير بذلك فانتبذوا عن الخيام وتركوها خاوية‏.‏ ووقفوا على مراكزهم حتى توسط القوم المخيم وشغلوا بنهبه فكرت عليهم العساكر فكادوا يستلحمونهم ولم يفلت منهم إلا الأقل‏.‏ وبعث بدر بالطاعة واعتذر بالخوف وقام بالخراج فرجعت العساكر وولى بكتمر الشريف على البحيرة‏.‏ ثم استبدل منه بقرط بن عمر‏.‏ ثم عاد بدر إلى حاله فخرجت العساكر فهرب أمامها وعاث القرط فيهم وقتل الكثير من رجالهم وحبس آخرين ورجع عن بدر أصحابه مع ابن عمه ومات ابن شادي وطلب الباقي الأمان فأمنوا وحبس رجال منهم وضمن الباقون القيام بالخراج‏.‏ واستأمن بدر فلم يقبل فلحق بناحية الصعيد واتبعته العساكر فهرب واستبيح مخلفه وأحياؤه ولحق ببرقة ونزل على أبي ذئب فأجاره وأستقام أمر البحيرة‏.‏ وتمكن قرط من جبايتها وقتل رحاب وأولاد شادي‏.‏ وكان قرطاي يستوعب رجالتهم بالقتل‏.‏ وأقام بدر عند أبي ذئب يتردد ما بين أحيائه وبين الواحات حتى لقيه بعض أهل الثأر عنده فثأروا منه سنة تسع وثمانين وذهب مثلاً في الآخرين والله تعالى أعلم‏.‏ كان الأمير بركة استعمل أيام إمارته خليل بن عزام أستاذ داره ثم اتهمه في ماله وسخطه ونكبه وصادره على مال امتحنه عليه‏.‏ ثم أطلقه فكان يطوي له على النكث‏.‏ ثم صار بركة إلى ما صار إليه من الاعتقال بالإسكندرية وتولى ابن عزام نيابتها فحاول على حاجة نفسه في قتل بركة‏.‏ ووصل إلى القاهرة متبرئاً من أمره متخوفاً من مغبته ورجع‏.‏ وقد طوى من ذلك على الدغل‏.‏ ثم حمله الحقد الكامن في نفسه على اغتياله في جنح الليل فأدخل عليه جماعة متسلحين فقتلوه وزعم أنه أذن له في ذلك‏.‏ وبلغ الخبر إلى كافل الدولة الأمير برقوق وصرح مماليكه بالشكوى إليه فأنكر ذلك وأغلظ على ابن عزام‏.‏ وبعث دواداره الأمير يونس يكشف عن سببه وإحضار ابن عزام فجاء به مقيداً وأوقفه على شنيع مرتكبه في بركة فحلف الأمير ليقادن منه به‏.‏ وأحضر إلى القلعة في منتصف رجب من سنة اثنتين وثمانين فضرب بباب القلعة أسواطاً‏.‏ ثم حمل على جمل مشتهراً وأنزل إلى سوق الخيل فتلقاه مماليك بركة فتناولوه بالسيوف إلى أن تواقعت أشلاؤه بكل ناحية وكان فيه عظة لمن يتعظ أعادنا الله من درك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء انتهى‏.‏